مقال في محور
: المساواة و الإنصاف
النص : المطلوب حلل و ناقش
ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما
العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي
نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ
التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين
وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية علاقة المساواة بالانصاف ومنتقدا
تلك المفاهيم داخل النسق التقليدي .والظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر
السياسي وهو: ما المساواة و الإنصاف ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي حديث في أوربا
الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما
يتعلق به من مفاهيم كالمساواة و الحق على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية
النص بالقول : فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تتميز
بالمساواة مما يفرض دولة تحفظ هذه السمة ؟ وكيف يتدخل مفهوم الإنصاف في حقل
السياسة الاجتماعية؟ أم
أن الأصل هو اللامساواة في حالة الطبيعة ؟
يبدأ
صاحب النص ببيان أن النظرية التقليدية للعقد الاجتماعي
تقابل وتخالف حالة المساواة داخل نسق نظرية العدالة كإنصاف. مضيفا أن مفهوم
العدالة نبع من تصور نظر وافتراضي للعقد الاجتماعي لا يجوز اعتباره حالة تاريخية
حقيقية. ثم انتقل إلى شرح طبيعة الفرد والمجتمع في حالة الطبيعة الافتراضية بأكمه
لم يكن يتميز بالوعي لكثير من الأشياء (الوضع الاجتماعي و الخير و الميولات). أما في الفقرة الثانية فيهتم الكاتب بوضع بصمته
لحالة الإنسان ليجعلها في مبدأين يقومان : أولهما على اللامساواة والثاني على مبدأ
اللامساواة مبين صفات كل منهما. و في الأخير يقر أن الإنصاف يقوم على المبدأين
السابقين وهو ما يكون مبدأ العدالة ، يمكن أن يختلف الناس طبقيا على المستويين
الاجتماعي و الاقتصادي لكن الأنصاف يدخل بضمان المساواة في الحقوق و حظوظ المواهب
للمواطنين مما يجعلهم قادرين بالتمتع سياسيا واجتماعيا بكل الامتيازات.
والنص
يتضمن مفهومان أساسيان الأول يمثل المبدأ الأول
للمساواة الذي يمثل كما يعبر صاحب النص المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية أما المفهوم الثاني فيقوم على مبدأ اللامساواة بين المفهومين المبدأين يشكلان نواة نظرية
العدالة كمساواة و الإنصاف في تعويض الفئات الأقل حظا في المجتمع مع الحفاظ على التباين
في الثرة و السلطة. ليتضح أن العلاقة بين
في هذه النظرية تسعى من جهة للإقرار من جهة بعدم المساواة داخل المجتمع ولذلك فدور
الدولة تحقيق المساواة من خلال الإنصاف داخل نظرية العدالة كإنصاف.
وعلى المستوى الحجاجي فقد بدأ صاحب النص
بالنقد ثم انتقل إلى التعريف وفي الأخير استنتاج أطروحته. و الدال على على ذلك أنه
انتقد نظرية العقد الاجتماعي باعتبارها حالة فرضية و ليست واقعية ، وكما بينا سلفا
أنه عرف مفهوم المساواة و اللامساواة ليستنتج وفق أسلوب استدلالي استنباطي انتقالا
من فكرة عامة تمس نظريته المعاصرة بالنظرية التقليدية ليصل بالقارئ إلى فكرة خاصة
تهم مفهوم الإنصاف مما يجعنا نقر ببنائه الاستدلالي الذي يصل بالقارئ لفكرة عامة
كانت في النص هي الامتيازات التي سيصبح المواطن يتمتع بها داخل هذا النظام.
إن قيمة
النص الفلسفية تدافع عن أطروحة مفادها أن طابع الفلسفة السياسية المعاصرة تنظر فلمفهوم
العدالة و المساواة على وجه ليس كالذي نظمته نظرية العقد الاجتماعية. بحيث تنظر للعدالة كمساواة و إنصاف مقرة
بعدم مساواة الحياة الاجتماعية مما يلزم الدولة تحقيق هذه المساواة اجتماعيا
وسياسيا تاركة الحرية و عدم التدخل في التفاوتات التي يتميز بها كل فرد أو فئة.
مدافعا عن فكر لبرالي ليس أكثر تشددا بحيث ينهل من الفكر الاشتراكي، حين يدافع عن
الضعفاء الأقل حظا في المجتمع لا من حيث امتلاكهم للسلط أو الثرروة.
إلا أن حدود انبنت بالأساس على التنظير لفكر
معاصر يقوم على نقيض الفكر الحديث لنظرية العقد الاجتماعي ، مهملا فينصه هذا
التصور الكلاسيكي اليوناني الذي يجعل من العدالة فضيلة أيضا. فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة
يمكن أن تتميز بالمساواة مما يفرض دولة تحفظ هذه السمة ؟ وكيف
يعتقد
أرسطو( 384-322ق.م ) الفيلسوف اليوناني بأن
العدالة لم تعد صفة من صفات النفس فقط بل هي أيضا فضيلة مدنية. والعدالة قد تلحقها
أخطاء لذلك فإن الإنصاف وحده يصلح قوانين العدالة. إنها بالنسبة لأرسطو تقوم على
مبدأين هما : المساواة والإنصاف : أي منح الأفراد ما يستحقونه بغض النظر عن
القانون بحيث يتفق وصاحب النص
أن المساواة غير مكتملة سياسيا. فكيف يتدخل مفهوم الإنصاف في حقل السياسة الاجتماعية؟
قد حاول "
جون راولس " تطوير نظرية أرسطو فيما يتعلق بالعدالة، من خلال نقده
للفلسفة النفعية من خلال إعطائه قيمة كبرى لفكرة الإنصاف في المجتمع متنكرا
للمفاهيم البراغماتية للحق والعدالة التي كرستها فلسفة"الإنسان حر في تحقيق
منافعه الخاصة ولو على حساب الآخرين". ويعني الإنصاف بالنسبة
لراولس"إعطاء كل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من الحقوق الأساسية،
مؤكدا أن اللامساواة مقبولة عقليا على أرضية تكافؤ الفرص التي تسمح للأفراد بلوغ
مراتب ووظائف عليا في المجتمع . مما يضفي على أطروحة النص الشيء نفسه الذي يجعل من الإنصاف الضامن الوحيد للمساواة
بين المواطنين وفق مبدأ العدالة الاجتماعية التي نص عليها " راولس "
صاحب نظرية العدالة كمساواة و إنصاف . لكن هل يستدعي إدخال مفهوم الإنصاف التغافل و التجاوز لاختلاف
الطبيعة النفسية و الاجتماعية للإنسان؟
لقد كان "السوفسطائيون" يعتبرون الفرد مقياس كل
شيء وعلى هذا الأساس اعتقدوا أن العدالة غير موجودة أو على الأرجح إنها مفهوم غامض
وقيمة لا يؤمن بها الضعفاء. في المقابل أكد "أفلاطون" بصريح العبارة أن العبيد
واهمون على الأرجح حينما يعتقدون في المساواة لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك
أبدا لأن الناس خلقوا غير متساويين بطبعهم، ومن ثمة فإن العدالة تتجسد عمليا في المجتمع إذا انصرف كل واحد إلى
ما هو مؤهل له بطبعه. بحيث يجب أن ينسجم التقسيم الطبقي للمجتمع مع تقسيم قوى
النفس الشهوانية والغضبية والعاقلة ، والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشهوانية
والغضبية إلى القوة العاقلة لتصل القوة الغضبية إلى فضيلتها التي تتجلى في الشجاعة
. ويضم المجتمع ثلاث طبقات (علاوة على طبقة العبيد ) وهي : طبقة العامة وطبقة
الجند وطبقة الحكام، وهم الفلاسفة الذين عليهم الانصراف إلى إدراك العدالة كقيمة
عليا ترتبط بعالم المثل الشيء
الذي يجعلها في منأى عن فكر الفيلسوف صاحب النص. ويضيف فيلسوف العقد
الاجتماعي "هوبز " أن حقيقة الدة بنية على أساس حقيقة عدوانية الإنسان
لهذا كانت غاية الدولة فقط حماية الناس من أنفسهم و الغير في سياق يتنافى و نظرية
صاحب النص.
وعلى سبيل
الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في بيان أن المساواة
في المجتمع غير متحققة ورافضا الرجوع لحالة الطبيعة بقدر ما يهتم بالواقع المليء
بالتفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية. لهذا نجد فلاسفة و إن كانوا لم ينحثوا نفس
المفهوم سوى "راولس " فلإن "روسو" و"أرسطو" أقرا
معا بضرورة حضور القانون المدني لتحقيق المساواة و دور الإنصاف تصحيح أخطائه.لكن
في المقابل نجد السفسطائيين في وادي مغاير و أفلاطون في عالم مثالي و هوبز في
إقرار بفرضية حالة الطبيعة التي تتمركز ومن ثمة نستنتج أن مفهوم الإنصاف هو
مفهوم بعدي بعد المساواة ويسعى لتصحيح الخلل أللامساواة الاجتماعية و الصرامة
القانونية . و في الأخير يحق لنا القول
بأن الطبيعة الإنسانية التطورية تقتضي الصراع الطبقي الذي يجعل من الإنسان مفترسا
لأخيه ، وأنه مهما تساءل عن ذاته داخل
المجتمع تظل الدولة سالبة لهويته، الشيء الذي يأزم فكره هل حقا الإنسان قادر على
بناء دولة الخير التي تتسم بالمشاع و التمتع بالخيرات بشكل حر دون صراع أو وجود
مؤسسات قانونية؟