السبت، 26 مارس 2016

السياسة : الحق و العدالة : المساواة و الإنصاف

مقال في محور : المساواة و الإنصاف

النص : المطلوب حلل و ناقش



ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية علاقة المساواة بالانصاف ومنتقدا تلك المفاهيم داخل النسق التقليدي .والظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  ما المساواة و الإنصاف  ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي حديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالمساواة و الحق على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول :  فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تتميز بالمساواة مما يفرض دولة تحفظ هذه السمة ؟ وكيف يتدخل مفهوم الإنصاف في حقل السياسة الاجتماعية؟ أم أن الأصل هو اللامساواة في حالة الطبيعة ؟
يبدأ صاحب النص ببيان أن النظرية التقليدية للعقد الاجتماعي تقابل وتخالف حالة المساواة داخل نسق نظرية العدالة كإنصاف. مضيفا أن مفهوم العدالة نبع من تصور نظر وافتراضي للعقد الاجتماعي لا يجوز اعتباره حالة تاريخية حقيقية. ثم انتقل إلى شرح طبيعة الفرد والمجتمع في حالة الطبيعة الافتراضية بأكمه لم يكن يتميز بالوعي لكثير من الأشياء (الوضع الاجتماعي و الخير و الميولات).  أما في الفقرة الثانية فيهتم الكاتب بوضع بصمته لحالة الإنسان ليجعلها في مبدأين يقومان : أولهما على اللامساواة والثاني على مبدأ اللامساواة مبين صفات كل منهما. و في الأخير يقر أن الإنصاف يقوم على المبدأين السابقين وهو ما يكون مبدأ العدالة ، يمكن أن يختلف الناس طبقيا على المستويين الاجتماعي و الاقتصادي لكن الأنصاف يدخل بضمان المساواة في الحقوق و حظوظ المواهب للمواطنين مما يجعلهم قادرين بالتمتع سياسيا واجتماعيا بكل الامتيازات.
والنص يتضمن مفهومان أساسيان الأول يمثل المبدأ الأول للمساواة الذي يمثل كما يعبر صاحب النص المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية  أما المفهوم الثاني فيقوم على مبدأ اللامساواة  بين المفهومين المبدأين يشكلان نواة نظرية العدالة كمساواة و الإنصاف في تعويض الفئات الأقل حظا في المجتمع مع الحفاظ على التباين في الثرة و السلطة. ليتضح أن العلاقة  بين في هذه النظرية تسعى من جهة للإقرار من جهة بعدم المساواة داخل المجتمع ولذلك فدور الدولة تحقيق المساواة من خلال الإنصاف داخل نظرية العدالة كإنصاف.
وعلى المستوى الحجاجي فقد بدأ صاحب النص بالنقد ثم انتقل إلى التعريف وفي الأخير استنتاج أطروحته. و الدال على على ذلك أنه انتقد نظرية العقد الاجتماعي باعتبارها حالة فرضية و ليست واقعية ، وكما بينا سلفا أنه عرف مفهوم المساواة و اللامساواة ليستنتج وفق أسلوب استدلالي استنباطي انتقالا من فكرة عامة تمس نظريته المعاصرة بالنظرية التقليدية ليصل بالقارئ إلى فكرة خاصة تهم مفهوم الإنصاف مما يجعنا نقر ببنائه الاستدلالي الذي يصل بالقارئ لفكرة عامة كانت في النص هي الامتيازات التي سيصبح المواطن يتمتع بها داخل هذا النظام.

إن قيمة النص الفلسفية تدافع عن أطروحة مفادها أن طابع الفلسفة السياسية المعاصرة تنظر فلمفهوم العدالة و المساواة على وجه ليس كالذي نظمته نظرية العقد الاجتماعية.  بحيث تنظر للعدالة كمساواة و إنصاف مقرة بعدم مساواة الحياة الاجتماعية مما يلزم الدولة تحقيق هذه المساواة اجتماعيا وسياسيا تاركة الحرية و عدم التدخل في التفاوتات التي يتميز بها كل فرد أو فئة. مدافعا عن فكر لبرالي ليس أكثر تشددا بحيث ينهل من الفكر الاشتراكي، حين يدافع عن الضعفاء الأقل حظا في المجتمع لا من حيث امتلاكهم للسلط أو الثرروة.
           إلا أن حدود انبنت بالأساس على التنظير لفكر معاصر يقوم على نقيض الفكر الحديث لنظرية العقد الاجتماعي ، مهملا فينصه هذا التصور الكلاسيكي اليوناني الذي يجعل من العدالة فضيلة أيضا. فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تتميز بالمساواة مما يفرض دولة تحفظ هذه السمة ؟ وكيف
يعتقد أرسطو( 384-322ق.م ) الفيلسوف اليوناني بأن العدالة لم تعد صفة من صفات النفس فقط بل هي أيضا فضيلة مدنية. والعدالة قد تلحقها أخطاء لذلك فإن الإنصاف وحده يصلح قوانين العدالة. إنها بالنسبة لأرسطو تقوم على مبدأين هما : المساواة والإنصاف : أي منح الأفراد ما يستحقونه بغض النظر عن القانون بحيث يتفق وصاحب النص أن المساواة غير مكتملة سياسيا. فكيف يتدخل مفهوم الإنصاف في حقل السياسة الاجتماعية؟
قد حاول " جون راولس " تطوير نظرية أرسطو فيما يتعلق بالعدالة، من خلال نقده للفلسفة النفعية من خلال إعطائه قيمة كبرى لفكرة الإنصاف في المجتمع متنكرا للمفاهيم البراغماتية للحق والعدالة التي كرستها فلسفة"الإنسان حر في تحقيق منافعه الخاصة ولو على حساب الآخرين". ويعني الإنصاف بالنسبة لراولس"إعطاء كل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من الحقوق الأساسية، مؤكدا أن اللامساواة مقبولة عقليا على أرضية تكافؤ الفرص التي تسمح للأفراد بلوغ مراتب ووظائف عليا في المجتمع . مما يضفي على أطروحة النص الشيء نفسه الذي يجعل من الإنصاف الضامن الوحيد للمساواة بين المواطنين وفق مبدأ العدالة الاجتماعية التي نص عليها " راولس " صاحب نظرية العدالة كمساواة و إنصاف . لكن هل يستدعي إدخال مفهوم الإنصاف التغافل و التجاوز لاختلاف الطبيعة النفسية و الاجتماعية للإنسان؟
لقد كان "السوفسطائيون" يعتبرون الفرد مقياس كل شيء وعلى هذا الأساس اعتقدوا أن العدالة غير موجودة أو على الأرجح إنها مفهوم غامض وقيمة لا يؤمن بها الضعفاء. في المقابل أكد "أفلاطون" بصريح العبارة أن العبيد واهمون على الأرجح حينما يعتقدون في المساواة لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك أبدا لأن الناس خلقوا غير متساويين بطبعهم، ومن ثمة فإن العدالة  تتجسد عمليا في المجتمع إذا انصرف كل واحد إلى ما هو مؤهل له بطبعه. بحيث يجب أن ينسجم التقسيم الطبقي للمجتمع مع تقسيم قوى النفس الشهوانية والغضبية والعاقلة ، والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشهوانية والغضبية إلى القوة العاقلة لتصل القوة الغضبية إلى فضيلتها التي تتجلى في الشجاعة . ويضم المجتمع ثلاث طبقات (علاوة على طبقة العبيد ) وهي : طبقة العامة وطبقة الجند وطبقة الحكام، وهم الفلاسفة الذين عليهم الانصراف إلى إدراك العدالة كقيمة عليا ترتبط بعالم المثل الشيء الذي يجعلها في منأى عن فكر الفيلسوف صاحب النص. ويضيف فيلسوف العقد الاجتماعي "هوبز " أن حقيقة الدة بنية على أساس حقيقة عدوانية الإنسان لهذا كانت غاية الدولة فقط حماية الناس من أنفسهم و الغير في سياق يتنافى و نظرية صاحب النص.

وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في بيان أن المساواة في المجتمع غير متحققة ورافضا الرجوع لحالة الطبيعة بقدر ما يهتم بالواقع المليء بالتفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية. لهذا نجد فلاسفة و إن كانوا لم ينحثوا نفس المفهوم سوى "راولس " فلإن "روسو" و"أرسطو" أقرا معا بضرورة حضور القانون المدني لتحقيق المساواة و دور الإنصاف تصحيح أخطائه.لكن في المقابل نجد السفسطائيين في وادي مغاير و أفلاطون في عالم مثالي و هوبز في إقرار بفرضية حالة الطبيعة التي تتمركز  ومن ثمة نستنتج أن مفهوم الإنصاف هو مفهوم بعدي بعد المساواة ويسعى لتصحيح الخلل أللامساواة الاجتماعية و الصرامة القانونية . و في الأخير يحق لنا القول بأن الطبيعة الإنسانية التطورية تقتضي الصراع الطبقي الذي يجعل من الإنسان مفترسا لأخيه ،  وأنه مهما تساءل عن ذاته داخل المجتمع تظل الدولة سالبة لهويته، الشيء الذي يأزم فكره هل حقا الإنسان قادر على بناء دولة الخير التي تتسم بالمشاع و التمتع بالخيرات بشكل حر دون صراع أو وجود مؤسسات قانونية؟







الاثنين، 14 مارس 2016

السياسة : مقالة في العدالة و الخق.. تمرين تطبيقي


مقال في محور : الحق أساس العدالة


النص : المطلوب حلل و ناقش





ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية علاقة الحق الطبيعي و الحق الوضعي وعلقتهما بالحرية و الظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  ما دلالة الحق الطبيعي  ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي حديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالحرية و الحق على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول :  فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تكون مسالمة ويرتح فيها الإنسان من نعمها ؟ أم أن هذه حالة الطبيعة تفرض بالضرورة لحق وضعي  يقوم على نفس تصور طبيعة الإنسان الذي يلزم في الأخير المواطن التخلي عن حريته؟

يبدأ صاحب النص ببيان أن الحق الطبيعي هو مرادف لمفهوم عدالة الطبيعة و هما معا يدلان على الحرية كغاية أسمى للحفاظ على الحياة. ويفسر الكاتب أن الحق الطبيعة هو الآلية الإنسانية التي يتميز بها الإنسان للتعبير عن حريته التامة لبلوغ غايته . كما أن انون مني الفيلسوف   مميزا بين الحق و القانون لأن الأول يتميز بالحرية و الاختيار أما الثاني (= القناون) فيشير إلى اللإلزام و الالتزام . مما دعا المفكر أن يجلي هذا التماس الملتبس بين المفهومين المختلفين و المتناقضين. و معلنا الفرق بين الحق الطبيعي والقانون الذي يمثل الحق الوضعي. 
والنص يتضمن مفهوما أساس و هو الحق الطبيعي أي عدالة الطبيع التي يتمتع فيها الإنسان بالحرية المطلقة إصدار .ثم يتحدث عن مفهوم القانون الطبيعي الذي يقوم على استعمال كل الوسائل للحفاظ على الحياة و لو بالقوة و هو مرادف لمعنى الحياة الانتقالية التي تشطل فيها وعي خطورة الحرية المطقلة. أما المفهوم القانون لطبيعي  فهو إلزام و تقييد احرية الفرد يمنعه أو يجيز له للقيام و هو في الاصطلاح السياسي لعفلاسفة العقد الاجتماعي الحق الوضعي. ليتبين أن الفرق بين الحرية و الإلزام هو نفسه الفرق بين الحق الطبيعي و الحق الوضعي المتمثل في القانون.
ود توسل صاحب النص منهجا فلسفيا استدلاليا  مفاهيمي حيث يعرف الديمقراطية و القانون النمدني و أخيرا مفهوم العدل ،وفق سلسلة حجاجية تفسيرية لكل مفهوم مبرزا أن دور الدولة الديمقراطية يقوم على هذه الغاية حيث قال " إن الغاية التي ترمي إليها الدمقراطية.." مؤكدا أن الدولة تخلص الانسان من عدوانيته . مستنتجا بالقول "وعلى ذلك ..." أن انتهاك القانون لا يحدث إلا بين الأفراد لأن الدولة هي كيان سياسي لقانون مدني ديمقراطي صلته بالعدل كصلته بالمالإنصاف. لكنه يميز حجاجيا بين العدل والظلم أي على حد تعبيره "يين الإنصاف و اللاإنصافب. ليتبين لنا أن صاحب النص استعمل أسلوبا انطلقة من فكرة الديمقراطية في علاقتها بالانسان (=فكرة خاصة) ليبلغ بنا لبناء نسق الكيان السياسي المدمني المبني على العدل و الانصاف (=فكرة عامة) وفق اأسلوب استقرائي.
     إن قيمة النص الفلسفية تدافع عن أطروحة مفادها أن الحق الطبيعي هو حرية الفعل و الامتناع عنه و هو ما يتناقض و القانون الذي يفرض الإلزام. هذه الفكرة الفلسفية يبدو أنها ذات صلة مباشرة و تحمل طابع الفلسفة السياسية الحديثة وصبغة فلسفة العقد الاجتماعي التي تفترض من قيام الدولة نشأتها على عقد مبرم بين الجماع  لبناء سلطة تحتكر الحرية و تفرض الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن ومن الحق الطبيعي إلى الحق الوضعي..
إلا أن حدود النص توقفت عند تقديم أطروحة ترتكز على أن الحرية  أو الحق الطبيعي يؤدي بالضرورة للصراع و حالة الحرب .  فيحين كان بالامكان الاقرار بأن الحرية لا تمس فقط حالة الطبيعة ، بل أيضا القانون ـ و إن كان يقوم على الإلزام ـ فهو لا يلغي حرية و اختيار الفرد في حالة التمدن داخل الحق الوضعي. فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تكون مسالمة ويرتح فيها الإنسان من نعمها ؟
يؤكد الفيلسوف "هوبز" ( 1588-1679) إلى كون الحق الطبيعي، يتجلى في الحرية التي يتمتع بها كل إنسان، ومادام كل إنسان يهدف إلى تحقيق مصالحه وأهدافه فإن النتيجة المترتبة عن ذلك هي نشوب حرب الجميع ضد الجميع. فالحق الطبيعي بهذا المعنى هو حرية التصرف والفعل، وغياب الحواجز الخارجية ، التي تمنع الإنسان من فعل ما يريده، ويمكن أن نميز بين الحق والقانون هنا، إذ أن الحق "يكمن في حرية القيام بفعل أو الامتناع عنه"، في حين يعد القانون "إلزاما" بأحدهما - أما القيام بالفعل أو الامتناع عنه- إذ يختلفان بالقوة التي يختلف بها الإلزام عن الحرية. إن أهواء الناس وميولاتهم المتناقضة والمتضاربة من شأنها أن تؤدي بالمجتمع الإنساني إلى العودة إلى حالة الفوضى التي كانت سائدة في حالة الطبيعة، فبقدر ما يحافظ كل واحد منا على حق القيام بما يريد بقدر ما نكون في حالة حرب، إن الحق يقتضي حسب هوبز وضع حد لحالة كانت سائدة في حالة " حرب الكل ضد الكل " وبناء على ذلك فإن العقل الإنساني بناء على القانون الطبيعي أكشف "قاعدة ضرورة التنازل  عن الحرية المطلقة" وتعايش الإنسان مع غيره حفاظا على سلامته وأمنه في إطار توافق اجتماعي . يدفعه للدخول إلى وضعية جديدة أساسها الحق الوضعي ي مجتمع مدني أساسه القانون . الشيء الذي يجعل من أطروحة النص تتماها وفكرة الفيلسوف "هوبز" في كون الحق الطبيعي يقوم على الحرية و الحق الوضعي يقوم على القانون و االزام بالتخلي عن الحرية، و من تمة كان طبيعة الإنسان العدوانية هي التي رسمت خارطة طريق بناء دول الحق و القانون. لكن هل حالة الطبيعة تفرض بالضرورة لحق وضعي  يقوم على نفس تصور طبيعة الإنسان الذي يلزم في الأخير المواطن التخلي عن حريته؟

بعد الانتقال من حالة الطبيعة التي كان يسودها الأمن و السلم كما يتصور  "روسو" (1712-1778) فقد تم الانتقال لحالة التمدن التي تجعل الإنسان يضمر ما هو أعظم ـ وهي الحرية الأخلاقية وأعراف الجماعة ــ وبالتالي يكون الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن هو بمثابة انتقال من حق القوة إلى قوة الحق. أي من الاحتكام إلى القوة الطبيعية الفيزيائية إلى القوة القانونية التشريعية والأخلاقية . والقوة المشروعة في نظر "روسو" هي قوة الحق، لأن حالة التمدن التي يتحدث عنها تضمن للإنسان نفس الحقوق والواجبات ، ومعها تكتمل الحقوق الإنسانية فيتم إقرار العدالة عن طريق عقد القوانين والاتفاقات. حيث يتم إرساؤ السيادة وفق قواعد الاجتماع المدني وعلى أساس الحرية والمساواة. الأمر الذي يجعل من أطروحة الفيلسوف لا تختلف من حيث المبدأ مع صاحب أن أن هناك حق طبيعي و حق و ضعي لكن الخلاف البين بينهما يتجلى في طبيعة كل منهما فالنص يفترض الصراع و قانون بعده يقوم على الإلزام في حين يفترض "روسو" أن الحرية تظل في كلتا الحالنتي مع فارق أن القوة تصبح قوة القانون لا العنف.

      وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في بيان أن الحق الطبيعي يقوم على الحرية المطلقة التي تفرض حياة مزرية، الشيء الذي يؤكده "طوماس هوبز" بالقول أن الانتقال من الحق الطبيعي للحق الوضعي هو انتقال من الحرية إلى الالتزام بالقانون. لكن الفيلسوف "روسو" يرى في هذا الانتقال تقنينا للقوة بحيث يظل يحتفظ الانسان بهامش من الحية التي تسعى القوانين لحمايتها لا منعها وقمعها. ومن ثمة نستنتج أن مفهوم الحق الطبيعي و الحق الوضعي هما الركيزتان الأساس في فلسفة العقد الاجتماعي وها ما يبيننا المسلمات التي ينطلق منها كل فيلسوف ليبرر غاية نشأة الدولة. و في الأخير يحق لنا التساؤل بالقول هل يمكن من خلال دولة الحق و القانون تحقيق العدالة بموجب القانون الوضعي كما تحققت سلفا وسميت بعدالة الطبيعة؟





الأحد، 13 مارس 2016

السياسة : مقالة في الحق الطبيعي و الوضعي .. تمرين تطبيقي


مقالة في محور : الحق الطبيعي و الحق الوضعي

 

النص : المطلوب حلل و ناقش




     ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية عللاقة الحق الطبيعي و الحق الوضعي وعلقتهما بالحرية و الظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  ما دلالة الحق الطبيعي  ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي حديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالحرية و الحق على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول :  فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تكون مسالمة ويرتح فيها الإنسان من نعمها ؟ أم أن هذه حالة الطبيعة تفرض بالضرورة لحق وضعي  يقوم على نفس تصور طبيعة الإنسان الذي يلزم في الأخير المواطن التخلي عن حريته؟
     يبدأ صاحب النص ببيان أن الحق الطبيعي هو مرادف لمفهوم عدالة الطبيعة و هما معا يدلان على الحرية كغاية أسمى للحفاظ على الحياة. ويفسر الكاتب أن الحق الطبيعة هو الآلية الإنسانية التي يتميز بها الإنسان للتعبير عن حريته التامة لبلوغ غايته . كما أن الفيلسوف   مميزا بين الحق و القانون لأن الأول يتميز بالحرية و الاختيار أما الثاني (= القناون) فيشير إلى اللإلزام و الالتزام . مما دعا المفكر أن يجلي هذا التماس الملتبس بين المفهومين المختلفين و المتناقضين. و معلنا الفرق بين الحق الطبيعي والقانون الذي يمثل الحق الوضعي.  
والنص يتضمن مفهوما أساس و هو الحق الطبيعي أي عدالة الطبيع التي يتمتع فيها الإنسان بالحرية المطلقة إصدار .ثم يتحدث عن مفهوم القانون الطبيعي الذي يقوم على استعمال كل الوسائل للحفاظ على الحياة و لو بالقوة و هو مرادف لمعنى الحياة الانتقالية التي تشطل فيها وعي خطورة الحرية المطقلة. أما المفهوم القانون لطبيعي  فهو إلزام و تقييد احرية الفرد يمنعه أو يجيز له للقيام و هو في الاصطلاح السياسي لعفلاسفة العقد الاجتماعي الحق الوضعي. ليتبين أن الفرض بين الحرية و الإلزام هو نفسه الفرق بين الحق الطبيعي و الحق الوضعي المتمثل في القانون.
    إن قيمة النص الفلسفية تدافع عن أطروحة مفادها أن الحق الطبيعي هو حرية الفعل و الامتناع عنه و هو ما يتناقض و القانون الذي يفرض الإلزام. هذه الفكرة الفلسفية يبدو أنها ذات صلة مباشرة و تحمل طابع الفلسفة السياسية الحديثة وصبغة فلسفة العقد الاجتماعي التي تفترض من قيام الدولة نشأتها على عقد مبرم بين الجماع  لبناء سلطة تحتكر الحرية و تفرض الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن ومن الحق الطبيعي إلى الحق الوضعي..
إلا أن حدود النص توقفت عند تقديم أطروحة ترتكز على أن الحرية  أو الحق الطبيعي يؤدي بالضرورة للصراع و حالة الحرب .  فيحين كان بالامكان الاقرار بأن الحرية لا تمس فقط حالة الطبيعة ، بل أيضا القانون ـ و إن كان يقوم على الإلزام ـ فهو لا يلغي حرية و اختيار الفرد في حالة التمدن داخل الحق الوضعي. فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تكون مسالمة ويرتح فيها الإنسان من نعمها ؟

يؤكد الفيلسوف "هوبز" ( 1588-1679) إلى كون الحق الطبيعي، يتجلى في الحرية التي يتمتع بها كل إنسان، ومادام كل إنسان يهدف إلى تحقيق مصالحه وأهدافه فإن النتيجة المترتبة عن ذلك هي نشوب حرب الجميع ضد الجميع. فالحق الطبيعي بهذا المعنى هو حرية التصرف والفعل، وغياب الحواجز الخارجية ، التي تمنع الإنسان من فعل ما يريده، ويمكن أن نميز بين الحق والقانون هنا، إذ أن الحق "يكمن في حرية القيام بفعل أو الامتناع عنه"، في حين يعد القانون "إلزاما" بأحدهما - أما القيام بالفعل أو الامتناع عنه- إذ يختلفان بالقوة التي يختلف بها الإلزام عن الحرية. إن أهواء الناس وميولاتهم المتناقضة والمتضاربة من شأنها أن تؤدي بالمجتمع الإنساني إلى العودة إلى حالة الفوضى التي كانت سائدة في حالة الطبيعة، فبقدر ما يحافظ كل واحد منا على حق القيام بما يريد بقدر ما نكون في حالة حرب، إن الحق يقتضي حسب هوبز وضع حد لحالة كانت سائدة في حالة " حرب الكل ضد الكل " وبناء على ذلك فإن العقل الإنساني بناء على القانون الطبيعي أكشف "قاعدة ضرورة التنازل  عن الحرية المطلقة" وتعايش الإنسان مع غيره حفاظا على سلامته وأمنه في إطار توافق اجتماعي . يدفعه للدخول إلى وضعية جديدة أساسها الحق الوضعي ي مجتمع مدني أساسه القانون . الشيء الذي يجعل من أطروحة النص تتماها وفكرة الفيلسوف "هوبز" في كون الحق الطبيعي يقوم على الحرية و الحق الوضعي يقوم على القانون و االزام بالتخلي عن الحرية، و من تمة كان طبيعة الإنسان العدوانية هي التي رسمت خارطة طريق بناء دول الحق و القانون. لكن هل حالة الطبيعة تفرض بالضرورة لحق وضعي  يقوم على نفس تصور طبيعة الإنسان الذي يلزم في الأخير المواطن التخلي عن حريته؟
بعد الانتقال من حالة الطبيعة التي كان يسودها الأمن و السلم كما يتصور  "روسو" (1712-1778) فقد تم الانتقال لحالة التمدن التي تجعل الإنسان يضمر ما هو أعظم ـ وهي الحرية الأخلاقية وأعراف الجماعة ــ وبالتالي يكون الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن هو بمثابة انتقال من حق القوة إلى قوة الحق. أي من الاحتكام إلى القوة الطبيعية الفيزيائية إلى القوة القانونية التشريعية والأخلاقية . والقوة المشروعة في نظر "روسو" هي قوة الحق، لأن حالة التمدن التي يتحدث عنها تضمن للإنسان نفس الحقوق والواجبات ، ومعها تكتمل الحقوق الإنسانية فيتم إقرار العدالة عن طريق عقد القوانين والاتفاقات. حيث يتم إرساؤ السيادة وفق قواعد الاجتماع المدني وعلى أساس الحرية والمساواة. الأمر الذي يجعل من أطروحة الفيلسوف لا تختلف من حيث المبدأ مع صاحب أن أن هناك حق طبيعي و حق و ضعي لكن الخلاف البين بينهما يتجلى في طبيعة كل منهما فالنص يفترض الصراع و قانون بعده يقوم على الإلزام في حين يفترض "روسو" أن الحرية تظل في كلتا الحالنتي مع فارق أن القوة تصبح قوة القانون لا العنف.

      وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في بيان أن الحق الطبيعي يقوم على الحرية المطلقة التي تفرض حياة مزرية، الشيء الذي يؤكده "طوماس هوبز" بالقول أن الانتقال من الحق الطبيعي للحق الوضعي هو انتقال من الحرية إلى الالتزام بالقانون. لكن الفيلسوف "روسو" يرى في هذا الانتقال تقنينا للقوة بحيث يظل يحتفظ الانسان بهامش من الحية التي تسعى القوانين لحمايتها لا منعها وقمعها. ومن ثمة نستنتج أن مفهوم الحق الطبيعي و الحق الوضعي هما الركيزتان الأساس في فلسفة العقد الاجتماعي وها ما يبيننا المسلمات التي ينطلق منها كل فيلسوف ليبرر غاية نشأة الدولة. و في الأخير يحق لنا التساؤل بالقول هل يمكن من خلال دولة الحق و القانون تحقيق العدالة بموجب القانون الوضعي كما تحققت سلفا وسميت بعدالة الطبيعة؟

 

 

 

 

الثلاثاء، 1 مارس 2016

مقالة في حق الدولة لإعمال العنف .... تمرين تطبيقي


مقالة في محور : الدولة و حق العنف

 

النص : المطلوب حلل و ناقش



 

ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية مفادها أن الدولة تحتكر سلطة العنف و أن السياسة ي فعل المشاركة والتأثير في السلطة . والظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  هل من حق الدولة احتكار سلطة العنف ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي الحديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالحرية والسلطة على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول : هل من حق الدولة التمتع بسلطة احتكار إعمال العنف ؟ وهل سلطتها تفترض إعمال العنف بطرق مشروعة و قانونية أم أنها تتمتع بالحرية المطلقة في ذلك ؟ وكيف السبيل لتقييد سلطة الدولة؟

يستهل صاحب النص ببيان أن الدولة المعاصرة هي كيان محدود جغرافيا ويتكون من مجموعة بشرية لها سلطة إعمال العنف المشروع لتحقيق مصالحها العامة. ويصف الكاتب أن حق إعمال العنف خاص بالدولة في زمننا المعاصر بمعنى أنه لا  يمكن لحزب أو فرد الإدعاء بامتلاك هذه السلطة إلا وفقط إذا صادقت الدولة على حق إعماله له. وفي الأخير يستنتج المفكر طبيعة الفعل السياسي بأنه فعل مشاركة و تأثير في السلطة الدولة .

والنص يتضمن مفهوما أساس و هو الدولة، و يعرفها انطلاقا من تصوره المعاصر لزمن بأنها كيان لتجمع بشري محدود في حيز جغرافي يتصرف وفق مصالحه خاصة حينما يتعلق الأمر باحتكار العنف لفائدة الدولة. ثم يعرف مفهوم السياسة بأن فعل تأثير ومشاركة في السلطة. ليتضح أن العلاقة بين المفهومين تتجلى في كون التجمعات السياسية (الأحزاب) أو الأفراد لا تمتلك السلطة الفعلية إلا من خلال سلطة الدولة التي تحدد إطار الفعل و المشاركة السياسيتين.

توسل صاحب النص أسلوبا حجاجيا ينبني على التعريف لمفهوم الدولة و لمفهوم السياسة بالأساس. و بينهما لجأ إلى أساليب استدلالي لغوية تبين صفة سلطة الدولة من خلال قوله "الدولة إذن المصدر الوحيد للحق في ممارسة العنف ". كما أنه توسل إلى نفس البنية الاستدلالية المبنية على الاستنتاج انطلاقا من المقدمات السابقة حين قوله أيضا "و بناء على ما سبق" بحيث يجعل من القارئ ينتبه لمقدماته الأولية كحجج دامغة تؤدي بالضرورة للنتيجة التي يسعى لها وهي صياغة مفهوم السياسة كفعل مستمد من الدولة .

إن قيمة النص الفلسفية تدافع أن أطروحة أن الدولة وفق التصور المعاصر هي من تحتكر الفعل السياسي المتجلي بالأساس في احتكار سلطة الحق في إعمال العنف و أنها هي من تسمح سواء للأفراد أو التجمعات السياسية بالمشاركة و التأثير في السلطة وبممارسة الفعل السياسي. الشيء الذي يضفي على النص صبغة فلسفية سياسية معاصرة سوسيولوجية تنطلق من وصف الواقع لا التأسيس لقوانينه وقواعده.

إلا أن حدود النص توقفت عند تقديم وصف للواقع السياسي المعاصر للكاتب. دون محاولة لبيان طبيعة و أسباب احتكار الدولة لحق إعمال العنف. وبالاستناد للحدس الفلسفي وللتاريخ أيضا هل من حق الدولة التمتع بسلطة احتكار إعمال العنف  ؟

           لم يكن من غاية لتأسيس الدولة سوى الانعتاق من الظلم والعنف والخروج من حالة الفوضى و اللاسلم لذلك كانت غاية الدولة الحرية باحتكار سلطة اتخاذ القرار السياسي كما يقر الفيلسوف "اسبينوزا" لهذا كانت الدولة كسلطة تحتكر هاته الخاصية باسم القانون. ويؤكد "ماكس فيبر" المفكر الاجتماعي في كتابه "العَالم والسياسي" أنه وجب اعتبار الدولة هي المصدر الوحيد للحق في ممارسة العنف". و لهذا فنحن نجدهما يتفقان و رأي الكاتب بكون لدولة هي المهيمنة على تدبير سلطة الحكم و احتكار حق إعمال العنف. لكن هل سلطتها تفترض إعمال العنف بطرق مشروعة و قانونية فقط أم أنها تتمتع بالحرية المطلقة في ذلك ؟

السلطة هي القوة التي للدولة والتي استمدتها من جراء العقد الاجتماعي المبرم سابقا. ولهذا نجد الفيلسوف "هوبز" يدافع عن الحكم المستبد وعن الملكية المطلة ذات السلطة اللامحدودة. مما يجعله  و صاحب النص يختلفان في وجهة النظر ، من حيث في إعمال السلطة. ف"هوبز" ينظر لسلطة الدولة بأنها تدبير سياسي مطلق ومستبد غايته استتباب الحكم و لو تطلب الأمر إعمال القوة الغير مشروعة. وبالرجوع للمفكر السياسي "ماكيافلي" فإن شخص الأمير له الحق المطلق في ممارسة العنف كما الخير ما دامت إحدى هاتين الوسيلتين كفيلة بتحقيق غايته. إنه بفلسفته يؤسس للفعل البراغماتي الذي لا يجد حرجا في إعمال السلطة بأي منحى يديم استتباب الحكم للأمير.  إذن إن كان الحاكم له الحرية المطلق في إعمال سلطته، فهل من الممكن تقييد سلطة الدولة؟

مخافة الوقوع في الاستبداد تم التنظير لتقسيم السلطة كما أسس لذلك المفكر "منتسكيو" بين سلطة تشريعية و سلطة قضائية و سلطة تنفيذية. ويؤسس الفيلسوف الأخلاقي "كانط" في فلسفته لهذا الأمر بأن دعا في مقاله "ما الأنوار؟" أولا للإنسان الملتزم بقيم العقل الأخلاقي وثانيا لدولة الحق التي تقوم على إعطاء الحرية للمواطنين بحيث" لا خوف من حرية المواطنين على سلطة الدولة، ولا على سلطة الدولة من حرية المواطن". ولذلك فلا خوف على حرية الفرد داخل دولة الحق من العنف، لأنه وبمقتضى مفهوم الواجب يلتزم المواطن أيضا ألا يثور على سلطة الدولة إلا من خلال سلطتها باحترام القوانين. لأن هذا الأخير يجسد العلاقة المتناغمة للحرية والسلطة في مبعد عن العنف.

وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تنتمي لمجال الفكر السياسي الذي يسعى لباين أن الدولة تحتكر سلطة الحق في إعمال العنف و التدبير السياسي للسلطة الشأن الذي داعا له كل من اسبينوزا و فيبر بشكل يتوافق واحترام القانون كما أننا وجدنا من أسس في الفكس السياسي للعكس بمن ذلك بحث أن للدولة السلطة المطلة في تصريف سلطة العنف (= ماكيافليي و هوبز) بالمقابل كان كل من كان و منتسكيو ممن حاولوا أخلاقيا و قانونيا تأسيس مبادئ تسيير السلطة السياسية التي لا تؤدي للاستبداد. =. ومن ثمة نستنتج أن مفهوم السلطة (=العنف) وإن كان يعتمد على القوة فإنه بالضرورة يجب أن يلتزم بالقوانين التي لا تتعارض ومبدأ الحريات العامة لأفراد المجتمع. و في الأخير يحق لنا التساؤل بالقول هل يمكن من خلال دولة الحق و القانون تحقيق العدالة الاجتماعية ؟

 

 

الاثنين، 29 فبراير 2016

مقال في سلطة الدولة ... تمرين تطبيقي



مقالة في محور : سلطة الدولة

 

النص : المطلوب حلل و ناقش


ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية مفادها الأمير يمكنه إعمال سلطة القوة و القوانين في تدبير شأن حكمه . و الظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  ما طبيعة سلطة الدولة ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي الحديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالحرية و السلطة على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول:  هل من حق الدة التمتع بسلطة مطلقة ؟ وهل سلطتها تفترض إعمال العنف دون الاتزان بالقوانين ؟وإن كانت الدولة كمؤسسة أساسها الحق فهل من سبيل لتدبير سلطتها التي تحمي حرية الفرد؟

يبدأ صاحب النص ببيان أن القتال يفترض طريقتين يجب على الأمير تعلمهما. ويفسر الكاتب أن القتال إما يعتمد على القوانين أو القوة وهذا هو ما يفرضه الكاتب على الأمير تعلمه و استخدامه أثناء حكمه. ويوضح الفيلسوف أن القتال يتميز من طريقة لأخرى فأحدها خاص بالإنسان أما الآخرى فهي خاصة بالحيوانات. ثم يبرر المفكر أن استعمال القوة شيء مباح للحاكم لأن القوانين لا تنفع دائما في تدبير شؤون الحكم. وفي الأخير يوجب صاحب النص على الأمير تعلم سلطة الحكم المبنية على إعمال القوانين تارة وإعمال القوة إن لزم الأمر.

والنص يتضمن مفهوما أساس و هو القتال، ويقسم الكاتب هذا المفهوم إلى طبيعتين، القتال الأول يعتمد القوانين التي تهم البشر، و القتال الثاني خاص بالحيوانات و يجب استخدامه حينما لا تنفع القوانين في تدبير سلطة الحكم و تحقيق الاستقرار. ومن ثمة فسلطة الحاكم هي سلطة مبنية على القوة و القتال الذي يتخذ شكل القوانين و العنف اتجاه الشعب.

اتخذ صاحب النص أسلوبا حجاجيا ينبني على التقسيم لتعريف مفهوم القتال الذي يمثل بطريقتيه سلطة الحاكم. وذلك من خلال إعمال أسلوب النصيحة حين قوله " يجب أن تعلم أيها الأمير" و الغاية من ذلك شرح طبيعة تدبير شؤون الحكم، و لهذا في آخير يتوسل الكاتب أسلوب الوجوب حين قوله "لهذا فمن الضروري للأمير". ليتبين أن المفكر أخذ منحا متعاليا في أسلوبه الاستدلالي لإقناع الأمير بنصائحه.

إن قيمة النص الفلسفية تدافع أن أطروحة مفادها أن الحاكم أي الأمير له السلطة المطلقة التي لا تستوجب بالضرورة الالتزام بالقوانين. مما يضفي على النص طابع الفلسفة السياسية الكلاسيكية التي لا تلتزم بالمبادئ الأخلاقية أو احترام مبدأ الحرية في تدبير سلطة الدولة.

إلا أن حدود النص توقفت عند تقديم نصائح للحاكم دون محاولة لتأسيس مشروع سياسي يحترم مبادئ الحكم كما الشأن في نظرية العقد الاجتماعي أو في فلسفة "منتسكيو". فهل بالضرورة تستلزم السلطة إعمال القوة وعدم الالتزام بالقوانين ؟ و هل من طريقة لتجنب استبداد الحاكم؟

السلطة هي القوة التي للدولة والتي استمدتها من جراء العقد الاجتماعي المبرم سابقا. لقد دافع "هوبز" عن الملكية المطلة ذات السلطة اللامحدودة. مما يجعله يتوافق ور أي صاحب النص في إعمال سلطته المطلقة  لاستتباب حكمه و لو تطلب الأمر إعمال القوة. إذن إن كا الحاكم له الحرية المطلق في إعمال سلطته، فهل من الممكن تقييد سلطة الدولة؟

 في حين كان غريمه "لوك" يؤسس من خلال كتاباته لنظام ديمقراطي تخضع فيه السلطة لمضمون العقد (الدستور) ولهذا كان من حق المجتمع إزالة الحاكم ما إن ثبت إخلاله بمضامين العقد مؤكدا على أن سلطة الدولة مقيدة. وفي منتصف القرن الثامن عشر دعا الفيلسوف "منتسكيو" في كتابه "روح القوانين" تقييد سلطة الدولة مخافة أن تقع في الاستبداد والجور، بأن يتم الفصل بين السلط وأن لا تجتمع في يد فئة واحدة لضمان سلطة ديمقراطية، وقد قسم "منتسكيو" السلطة إلى سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية لكل منها دور خاص في استقلال تام لدرء الاستبداد وضمان حكم ديمقراطي . أما الفيلسوف "جون جاك روسو" فباتت سلطة الدولة بالنسبة له بمثابة إرادة عامة بتفويض من الشعب، الذي لا يفقد بهذا التفويض حريته وحقوقه المدنية، لأن الدولة الديمقراطية هي أساس الحرية . هذا التسلسل الزمني لكتابات الفلاسفة كان جمرا متقدا حفز بشكل عقلاني قيام الثورة الفرنسية (1789) والانتقال للحكم الجمهوري في نهاية القرن الثامن عشر.

وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في مفهوم القوة و القتال المتصلين بمفهوم السلطة اللامحدوة بالنسبة لصاحب النص و أيضا للفيلسوف "هوبز" إلا أن فلاسفة مثل جون لوك و منتسكيو وروسو قد عمدوا على بناء دولة الحق و القانون التي تتخذ من المؤسسات و فصل السلط طريقة للحكم لتجنب الاستبداد من طرف الحكام. ومن ثمة نستنتج أن مفهوم السلطة و إن كان يعتمد على القوة فإنه بالضرورة يجب أن يلتزم بالقوانين التي لا تتعارض ومبدأ الحريات العامة لأفراد المجتمع. و في الأخير يحق لنا التساؤل بالقول هل يمكن من خلال دولة الحق و القانون شرعنة العنف باسم الحفاظ على الحرية؟

 

مقال في مشروعية الدولة


مقالة في محور : مشروعية الدولة وغايتها

 

النص : المطلوب حلل و ناقش



 

ترمي الفلسفة لفهم قوانين الحياة وليس كما العلم، لأنها تنفذ في أغوار الإنسان سواء كان فردا أو جماعة. والنص ينتمي لمجال فلسفة السياسة التي نهلت من هذا الفيض الفكري على مر تاريخ  التجمعات البشرية بدءا بقوانين " حمو رابي" في بلاد الرافدين وقوانين " صولون" في المجتمع اليوناني. و النص الذي بين أيدينا يطرح قضية مفادها نشأة الدولة ينبع من سلطة الجماعة . و الظاهر أن هذه الفكرة تمس إشكالا أساس في الفكر السياسي وهو:  من أين تستمد الدولة مشروعيتها في نشأتها ؟ لقد أعاد التفكير الفلسفي الحديث في أوربا الأسئلة ذاتها الخاصة بالإنسان وأساس الاجتماع البشري. وهيمن إشكال الدولة وما يتعلق به من مفاهيم كالحرية و السلطة على الفلسفة الحديثة في أوروبا. ولهذا سنطرح زمرة من الأسئلة لمناقشة قضية النص بالقول:  هل نشأة الدولة متصلة بإرادة الشعب ؟ وهل سلطتها تنبع من عقد توافقي بين الحاكم و المحكومين ؟  وهل هذا العقد يفرض بالضرورة سلب حرية المواطن لضمان عيش الجماعة ؟

يبدأ صاحب النص ببيان أن السلطة المتمثلة في فرد أو جماعة هي الشرط لازم لمنح المشروعية لقيام دولة ما. ويفسر الكاتب أن الطبيعة الإنسانية تتميز بالحرية التامة، مما يترتب عليه الاختلاف في تعدد وجهات النظر. ويوضح الفيلسوف أن هذه الطبيعة الحرة ما كانت لتفرض حياة اجتماعية مسالمة لأن كل فرد سيتمسك برأي ظنا منه أنه على صواب. ثم يبرر المفكر أن على الأراد التنازل عن حرياتهم في الفعل الحكم و إبداء الرأي . مما يعني في الأخير أن غاية قيام الدولة ومنحها السلطة هو تحقيق الحياة الاجتماعية المسالمة على خلاف حالة الطبيعة التي تفترض التنابز و الاخلاف و الفرقة.

والنص يتضمن مفهوما أساس و هي السلطة أي إصدار القرار من فرد أو جماعة يمثل في شخص الدولة . ثم يتحدث عن مفهوم الفرد أي الإنسان الذي يتمتع في حالة الطبيعة بحرية الرأي و الفعل. ويتضح من خلال هذا الوصف لطبيعة السلطة و طبيعة سلوك الفرض يتعرضان من حيث المبدأ، لذلك نجد صاحب النص يلزم الفرد بالتنازل و التخلي عن حالة السلوك الطبيعي الحر لبناء سلطة في جسم اسمه الدولة بشرط أن تحفظ هذه الأخيرة له الحرية في التعبير عن الرأي.

اتخذ صاحب النص أسلوبا حجاجيا استدلاليا بحيث استهل نصه ببيان أطروحته المتجلية في شرط قيام الدولة، مما يوحي باتخاذه للأسلوب الاستقرائي الذي ينتقل من أطروحة خاصة إلى فكرة عامة. والدال على ذلك أنه توسل زمرة من الأدوات التبريرية لوصف طبيعة الإنسان حين قوله " ولما كانت أحكام الناس" و أيضا قوله "ونظرا لأنه من المستحيل" في سياق يفرض على القارئ الإيمان بهاته المسلمات كحقيقة ليس إلا لغاية إثبات أطروحته التي استهل بها نصه. وفي الأخير يذيل نصه باستنتاج حين قوله "وعلى ذلك فإن الحق الوحيد .." هذا الحق هو حرية التعبير التي تمنحها سلطة الدولة للمواطن.

إن قيمة النص الفلسفية تدافع أن أطروحة مفادها أن الدولة كيان سياسي يقوم على السلطة المبنية بدورها على إرادة العامة في التنازل عن الحرية المطلة للدولة لتبلغ بها إلى العيش بسلام. مما يضفي على النص طابع الفلسفة السياسية الحديثة وصبغة فلسفة العقد الاجتماعي التي تفترض من قيام الدولة نشأتها على عقد مبرم بين الجماع  لبناء سلطة تحتكر الحرية و تفرض الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن.

 

إلا أن حدود النص توقفت عند تقديم أطروحة تحتكر فيها الدولة السلطة المطلة اللهم في بعض منها وهي التعبير عن الرأي .كما أنها انطلقت من طبيعة تفترض الحرية السلبية التي تفضي للنزاع . فهل طبيعة الانسان في حالة الطبيعة يمكن أن تكون مسالمة في حالة الحرية المطلقة؟ ثم ألا يمكن بناء على ذلك بناء دولة تسمح بهامش أكبر من حرية و السلطة للشعب؟

لا يختلف فلاسفة العقد الاجتماعي في أن الدولة تستمد مشروعيتها من العقد الاجتماعي. فهم يجمعون على أن الدولة جاءت كحاجة بشرية لتنظيم أمور عيشهم وضمان أمنهم وحريتهم وممتلكاتهم. إلا أن هذا الاجماع على ضرورة العقد والاتفاق لا يخلو من تباين بين الفلاسفة في كيفيته وجزئياته. فالفيلسوف "طوماس هوبز" في كتابه "التنين" ينظر للاتفاق الذي جمع بين البشر من شدة خوفهم من الحالة المزرية التي بلغوها من جراء طبيعتهم أنه اتفاق أرادوا منه الخروج من حالة الطبيعة والفوضى إلى حالة التمدن بغية العيش بسلام. إلا أن هذا العقد المبرم هو بينهم وليس بينهم وبين الحاكم، وبذلك يكون أفراد المُجتمع ككُل هم أطراف العقد ، ومضمونه هو التنازُل الكُلى والمُطلَقْ عن كافَة الحقوق والحُريات الطبيعية . وبهذا كانت نتائج هذا العقد هي أن الحاكِم يتمتع بِسلطة مُطلقة ، وغايته ضمان الأمن والسلم داخل الدولة. كما يبرر ذلك صاحب النص حينما يقر بأن الحرية الطبيعية تفترض الاختلاف و عدم العيش بسلام لذلك وجب قيام سلطة تجمع شتات الاختلاف بينهم. وعلى الرعم من هذا فإن الفرق الهين بين صاخب النص و "طوماس هوبس" يبقى في هامش الحرية على الرغم من اتفاقهم في طبيعة الفرد. وهل هذا العقد يفرض بالضرورة سلب حرية المواطن لضمان عيش الجماعة ؟

إن الفيلسوف "جون لوك" وإن كان ينظر لنشأة الدولة على أساس إبرام عقد إلا أن هذا الاتفاق كما يعتقد فهو قد تم بين المجتمع وبين الحاكم، وفق صيغة يحتفظ بها المجتمع على حرياته العامة، لأنهم كانوا في الحالة الطبيعية يحيون بطبيعة عاقلة قوامها الخير والسعادة والمساواة بين الجميع. لهذا كان الانتقال لحالة التمدن انتقال تقدمي نحو منح السلطة بطريقة مقيدة للحاكم (ملكية دستورية) وغايته ليس فقط الحفاظ على الأمن بل أيضا التمتع بالحقوق العامة وخاصة حرية التملك الناتج عن العمل. ولهذا نرى أن صاحب النص و إن كان يختلف و"جون لوك" في طبيعة الفرد التي تؤدي بالنسبة له للصراع وعدم العيش في سلام، إلا وأنه في نفس الآن يتوافق معه في كون الحرية أساس و غاية قيام سلطة الدولة كما يقول الفيلسوف "اسبينوزا" و أنها في نفس الآن تمثل الإرادة العامة كما يقول "جون جاك روسو" في كتابه العقد الاجتماعي الذي يخول للشعب الحرية التي تمنحه سلطة تغير الحاكم ما لم يلتزم بشروط العقد الاجتماعي.

 

وعلى سبيل الختم يتضح أن قضية النص تتجلى في بيان شرط قيام الدولة القائمة على السلطة التي تنبني وفق طبيعة المجتمع. وإن كان صاحب النص يطلق عنان سلطة الدولة على حساب حرية الفرد دون إلغاء مبدأ قيام الدولة على التعاقد كما يؤكد كل من فلاسفة العقد الاجتماعي إلا أن الفيلسوف "هوبز" يمنح للدولة مجالا لسلطة أوسع على حساب الفرد في حين يتبين أن كل من " و لوك و روسو" و إن تباينت آراؤهم فهم يصرون على الطبيعة الخيرة التي تفترض بدورها سلطة و دولة تنشأ على مبدأ احترام الحريات المدنية للمواطنين . ومن ثمة نستنتج أن مفهوم الدولة رهين بمفهوم السلطة وطبيعة الإنسان، و ما دمنا في القرن الواحد والعشرين فلامناصة من احترام الحقوق والمبادئ العامة والخاصة للمواطن من أجل ترسيخ دولة الحق و القانون. و في الأخير يحق لنا التساؤل بالقول هل يمكن من خلال دولة الحق و القانون شرعنة العنف باسم الحفاظ على الحرية التي لا يحترمها بعض الأفراد أو الجماعات المتطرفة؟